منتدى جامعة الزيتونة الأردنية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى خاص لطلاب جامعة الزيتونة الأردنية


2 مشترك

    نحو تجديد منظورنا الأخلاقي

    Zoro
    Zoro
    سنفور فصل أول
    سنفور فصل أول


    ذكر
    عدد الرسائل : 194
    العمر : 35
    البلد : الأردن
    التخصص : ما بدي أحكي - أنا حر -
    السٌّمعَة : 0
    نقاط : 3
    تاريخ التسجيل : 13/06/2008

    a نحو تجديد منظورنا الأخلاقي

    مُساهمة من طرف Zoro الأحد يونيو 29, 2008 6:46 pm


    نحو تجديد منظورنا الأخلاقي



    المتأمل في الخطاب القرآني يلحظ أن قضية بناء المنهج ، وقضية بناء المعمار الفكري للإنسان المسلم قضية أساسية .يتجلى ذلك في أن القرآن والسنة النبوية ـ من حيث أنها مبينة وشارحة له ـ قد عنيا أساسا ببناء الكليات ، فركزا على بناء العقيدة قبل أن يتجها إلى تنزيل الأحكام التفصيلية للشريعة المفصلة ، وفي هذه الأحكام نبها إلى المقاصد الكبرى وجعلا الأحكام التفصيلية المفصلة معللة لإثارة الانتباه إلى الكليات والمقاصد الكبرى للدين .
    وفي مجال الأخلاق نبها إلى مكارم الأخلاق وأصولها ، وأثارا الانتباه إلى اشتقاق كثير من فروع الأخلاق من تلك الأصول الكلية . كما نبها إلى أن الإيمان شعب مرتبه من حيث الأولوية من الأدنى إلى الأعلى .
    وهذا التنبيه إلى الأولويات ومراتب الأعمال هو الذي استنبط منه الفقهاء الأحكام الفقهية المعروفة التي تتدرج من الوجوب إلى الندب و الاستحباب إلى الإباحة ثم الكراهة والتحريم ، و في الواجبات استنبطوا منه التمييز بين واجبات فردية عينية وأخرى كفائية ، وفي واجبات بين واجبات وقتية أو واجبات على الفور وواجبات على الاسترخاء إلى غير ذلك من التفصيلات التي ليس المجال همنا مجال تفصيل فيها . وهو ما استنبط منه بعض العلماء والمفكرين الإسلاميين المعاصرين ما اصطلح عليه اليوم بفقه الأولويات .
    غير أن الفقه الإسلامي ـ إن كان اقرب العلوم الإسلامية إلى المصدرين الأولين الأساسين للشريعة أي القرآن والسنة ـ لم يكن دوما في تعامله مع هذين المصدرين محكوما بمنطقهما الداخلي كلياتهما ومقاصدهما ، بل وجدنا أنه ـ ومن خلال تفاعله مع معطيات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية ـ كان يمتص أحيانا جانبا من جوانب الثقافة الاجتماعية . وإذا كان هذا الامتصاص يتم أحيانا بطريقة إيجابية وواعية من خلال اعتبار المصلحة المرسلة والعرف ، فإنه كان يتم أحيانا أخرى بطريقة سلبية خاصة حين غلب التقليد وتعطلت ملكة الاجتهاد في العصور المتأخرة .


    لا يجادل أحد في أن الإسلام قد كرم المرأة وحررها تحريرا حقيقيا لم يسبق إليه ولم يأت زمان بمثله ، لكن لا أحد يمكنه أن ينفي أن الممارسة الاجتماعية لم تساير في الغالب الأعم تلك الرؤية الإسلامية التقدمية . وتشير حادثة وقعت في وقت مبكر من الإسلام إلى علاقة بعض الأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة بالثقافة الاجتماعية.

    الواقعة المذكورة جاءت في سياق حديث لعمر بن الخطاب عند نزول بعض آيات سورة التحريم حيث يقول عمر: " كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال‏:‏ وكان منزلي في دار أُميَّة بن زيد بالعوالي، فغضبت يوماً على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت‏:‏ ما تنكر أن أراجعك فواللّه إن أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، قال‏:‏ فانطلقت فدخلت على حفصة، فقلت‏:‏ أتراجعين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏؟‏ قالت‏:‏ نعم، قلت‏:‏ وتهجره إحداكنّ اليوم إلى الليل‏؟‏ قالت‏:‏ نعم "

    ففي هذه الرواية إشارتان : الإشارة الأولى هي التفاوت الاجتماعي بين مجتمع مكة ومجتمع المدينة في النظر إلى المرأة وطريقة التعامل معها ، إلى درجة أن عمر، المنحدر من قريش كان ينظر إلى تلك العلاقة من منظور الغلبة ، فالقرشيون كانوا يغلبون النساء ويستكثرون عليهن مراجعة أزواجهن ، على عكس ما كان عليه نساء الأنصار، وتأمل كيف استنكر عمر بمنطق الثقافة القرشية ذلك على اعتبار أنها غلبة من النساء للرجال .

    أما الإشارة الثانية وهي كيف أن الإسلام من خلال سيرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في نسائه قد مال إلى منطق تكريم المرأة وإعادة الاعتبار إليها وجعل منها ذاتا مستقلة لها أن تعبر بحرية عن رأيها ولو تعلق الأمر بسيد البرية محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يمل إلى منطق الغلبة الذي تحدث عنه عمر قبل أن يتبين له أن رسول الله صلى الله عليه وسلك كان له سلوك آخر مع نسائه يميل إلى منطق الأنصار
    غير أننا بالابتعاد تدريجيا عن عصر الرسالة سنجد أن الفقه الإسلامي ذاته وكثير من أحكامه ستتأثر بمنطق الثقافة الاجتماعية السائد آنذاك وليس بالمنطق التحريري الذي جاء به الإسلام .
    نتأمل ذلك مثلا في بعض الأحكام الفقهية الخاصة بشأن المرأة ونأخذ على سبيل المثال تأكيد بعض الاجتهادات الفقهية أن صوت المرأة عورة ، في الوقت الذي يقرأ المؤمنون في سورة المجادلة بوضوح عن تلك المرأة التي جاءت تجادل رسول الله وتشتكي إلى الله وتتحاور مع رسول الله ، وكيف أن الله قد سمع الحوار الذي دار بينهما ، وفي الوقت الذي نجد فيه أمرا واضحا للنساء بأن يشاركن ويتكلمن لكن باحترام الضوابط الشرعية كما في قوله تعالى : " وقلن قولا معروفا "
    وتقدم قضية المرأة عموما مجالا كبيرا لبحث ورصد مظاهر امتصاص الفقه الإسلامي والثقافة الإسلامية عامة لمعطيات من الثقافة الاجتماعية بالشكل الذي أدى أحيانا إلى قلب منطق الأولويات وتراتب القيم كما جاء بها الإسلام . يتأكد ذلك مثلا في غلبة التمثل الذكوري الذي ساد المجتمعات التقليدية في النظرة إلى قضية الفساد الأخلاقي ، حيث تميل مجتمعاتنا التقليدية إلى التساهل في النظرة إلى بعض الانحرافات الخلقية حينما يتعلق الأمر بالشاب الذكر ، بينما تميل إلى التشديد على الأنثى . وحيث الاهتمام والتشديد على عذرية المرأة لا يقابله نفس القدر من الاهتمام والتشديد حين يتعلق الأمر بالذكر . فقد ينظر إلى زنى الشاب بتساهل بل قد ينظر إلى ذلك أحيانا في بعض الأوساط الاجتماعية على أساس أنه عنوان للفحولة ، في حين ينظر إليه على أنه مجلبة للعار وعلى أنه فساد ومنكر كبير ، في حين أن الأمر ينبغي أن يكون سيان من الزاوية الشرعية . كان كلام الاستاذ محمد الغزالي رحمه الله محقا حين تكلم بقساوة وحدة عما سماه بالفقه البدوي الذي يراد فرضه على مسلمي أوروبا وأمريكا .
    وتحليل بعض مواقف الحركة الإسلامية المعاصرة وردود أفعالها يبرز استمرار قدر غير يسير في عدم التوازن ، وفي ترتيب الأولويات. فكثير من هذه المواقف تدل على أن هناك حساسية أكبر لبعض القضايا الأخلاقية المرتبطة بسلوك المرأة أو باللباس والحشمة والعفة والعري أكثر من قضايا الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي ونهب المال العام بل وإزهاق بل والتقصير في حماية الأنفس الآدمية . هناك قدر كبير من عدم التوازن في هذه المسألة سواء من حيث الفهم الأخلاقوي الضيق لمفهوم الأخلاق كما أوضح ذلك باقتدار الأستاذ عبد الحليم أبو شقة في رسالته الموجزة الرائعة : " أخلاق الفكر" ، والتي حاضر فيها بشكل أروع الأستاذ المقرئ أبو زيد ، أو من حيث الممارسة والتنزيل .
    وهكذا فإن حادثة تعري مغني تافه كما حدث مؤخرا في مهرجان موازين بالرباط ، قد تستجيش من الغضب والاحتجاج والميل إلى إصدار بيانات والمواقف أكثر مما تثيره كارثة سقوط عمارة في طور البناء على رؤوس عشرات من العمال الغلابى والمساكين ، وحادثة احتراق عشرات من العمال اختناقا وحرقا كما حدث في معمل روزامورا بمدينة الدارالبيضاء . كما أن مشهد صورة عارية في لافتة إشهارية على قارعة الطريق قد يثير من الانفعال والاحتجاج أكثر من نهب المال العام حيث قد تكون اللوحة المخصصة لتلك اللوحات مظهرا من مظاهر الريع الاقتصادي أي استفادة غير مشروعة من امتيازا أو نتيجة لجاه مفيد للمال دون منافسة شريفة أو نتيجة كدح عضلي أو فكري.وفي كل تلك الحالات نلاحظ إخلالا واضحا بميزان الأولويات حيث إن حفظ النفس أعظم عند الله من حفظ العرض ، كما أن حفظ المال العام لا يقل أهمية عن حفظ العرض ، كما أن حفظ العرض ليست شأنا خاصا بالنساء بل هي أمر مشترك بين الرجال والنساء .
    ما أحوجنا إذن إلى إعادة بناء معمارنا الفكري بمعايير القرآن وبمنطق الأولويات الذي علمنا إياه ، وكما هو واضح في عدة آيات قرآنية مثل قوله تعالى :
    " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر , وجاهد في سبيل الله ؟ لا يستوون عند الله , والله لا يهدي القوم الظالمين . الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله , وأولئك هم الفائزون . يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان , وجنات لهم فيها نعيم مقيم , خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم).
    وعلى الرغم من أن سياق الآية مرتبط بالرد على مشركي قريش الذين كانوا قائمين على سقاية الحجيج ويعمرون البيت ، وببيان أن عملهم ذاك مفتقد للأساس العقدي الذي بدونه تفقد كل عبادة قيمتها فإنها تشير إلى اعتبار التراتبية في الأعمال الدينية ، واعتبار منطق الأولويات من ثم في الإصلاح . وبالمناسبة وفي سياق الحديث عن العري يفيد تأمل السيرة أن الإسلام قد عني في البداية أساسا بمعركة العقيدة وبمحاربة عبادة الأوثان وإزالة سلطانها من النفوس ولم يحطمها إلا عام الفتح ، وظل الناس يطوفون بالكعبة عرايا لا يكاد يستر عوراتهم شيء وهو أمر منكر ورغم ذلك لم يتوجه الإسلام إلى إزالة هذه البدعة المنكرة إلا خلال العام التاسع من الهجرة . فتأمل وحلل .
    ليس في هذا دعوة إلى التقليل من خطورة انهيار الأخلاق على هذا المستوى ، أو تهوينا من التفسخ الأخلاقي أو دعوة للاستكانة في مواجهة الحرب المقصودة أحيانا على النظام الأخلاقي للمجتمع بدوافع سياسية وإيديولوجية أحيانا . لكننا نريد أن ندعو إلى العودة إلى التوازن وإعمال فقه الأولويات وفقه الموازنات . نريد أن يتم تخليص النظرة إلى الأخلاق من الفهم التجزيئي وأن توضع في موضعها ولا يكون ذلك إلا بإعادة بناء ثقافتنا وتخليصها من شوائب ما هو عالق بها نتيجة عمليات الامتصاص الثقافي ، أي أن نعيد صياغة ثقافتنا وتجديدها بالرجوع إلى الفهم التقدمي الذي جاء به الإسلام في جميع المجالات لا أن نفرض على الإسلام معايير ومسبقات وسلبيات الثقافة الاجتماعية . وهكذا فإن تجديد منظورنا الأخلاقي هو جزء لا يتجزأ من قضية الإصلاح الثقافي .
    3TEWE FM 107.6 MHz
    3TEWE FM 107.6 MHz
    ماجيستير
    ماجيستير


    ذكر
    عدد الرسائل : 2417
    العمر : 38
    البلد : jordan
    التخصص : S.E
    الأوسمة : نحو تجديد منظورنا الأخلاقي WEEEESAM
    السٌّمعَة : 25
    نقاط : 391
    تاريخ التسجيل : 17/06/2008

    a رد: نحو تجديد منظورنا الأخلاقي

    مُساهمة من طرف 3TEWE FM 107.6 MHz الأربعاء يوليو 02, 2008 12:06 pm

    شكرا لمواضيعك الرائعه
    والى الأمام.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 6:44 pm