"تصريحات" مستشار ماكين: هل خدعتنا عمون؟
الخميس, 19 يونيو, 2008
ما حدث في الأيام الثلاثة الماضية على المستوى الإعلامي والسياسي الأردني رسميا وشعبيا من التصريحات المنسوبة لروبرت كيجان مستشار المرشح الجمهوري جون ماكين حول إعلان الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين كجزء من سياسة جون ماكين يعتبر حالة دراسية لا بد من تحليلها بمنتهى الصراحة والدقة لمعرفة أوجه الخلل وأين وقع الإعلام والناس ضحية المعلومات الخاطئة من جهة وغياب المعلومة الرسمية من جهة أخرى.
عندما تم نشر الخبر للمرة الأولى في الموقع الأردني عمون نيوز تم وصفه بأنه تقرير لصحافية أميركية إسمها جاين بيتفيت مما أعطى لكل القراء إنطباعا بصحة الخبر ووجود مصدر أميركي داخلي ولكن لم يتم أبدا التطرق للموقع الأساسي وهو مدونة "فيلكا إسرائيل" ويديره كاتب لبناني إسمه خضر عواركة معروف عنه عدائه الشديد للأردن. بعد يومين من نشر الخبر قامت عمون بنشر وصلة لموقع فيلكا إسرائيل ولكن بعد خراب مالطا. وفي وصف هذه المدونة يقول الكاتب بأن المدونة لها خط سياسي منه "الدعوة إلى تدمير الأردن وجعله وطنا بديلا للشعب الفلسطيني"!
المدونة تحتوى ايضا على سلسلة هائلة ومثيرة للإشمئزاز من الأكاذيب بحق الأردن ومنها أن تنظيم فتح الإسلام أصوله أردنية وأن شاكر العبسي عميل للأردن كما كان الزرقاوي وأن المخابرات الأردنية تساهم في عمليات القتل في لبنان وغير ذلك من الترهات. أن مجرد قيام موقع أردني ببث خبر بهذه الخطورة بناء على مصدر واحد هو هذه المدونة المعادية للأردن خطأ إعلامي بكل المقاييس ولا يمكن تبريره بحرية التعبير لأن هناك أيضا قيم المصداقية التي لا بد من الألتزام بها.
من المفترض أن يكون كيجان قد ألقى محاضرته المذكورة في جامعة نيويورك أمام آلاف الطلبة ولكن لا يوجد في الموقع الإلكتروني للجامعة اي خبر حولها، ولا أعتقد أن هناك مؤامرة ضد الأردن لعدم الإعلان عنها لأن كل جدول النشاطات والمحاضرات موجود على الموقع. رئيس الجامعة أدلى بتصريح نشرته الزميلة جوردان تايمز مفاده عدم وجود مثل هذه المحاضرة، كما نفى كيجان قيامه بهذه المحاضرة ونفي ماكين ذلك. بالطبع لا يمكن إعتبار تصريحات ماكين وكيجان مرجعية يعتد بها ولكن عدم وجود اي أثر لهذه المحاضرة باستثناء موقع السيد عواركة المحترم يجعل نسبة الشك عالية جدا في مصداقية الخبر.
رد الفعل الرسمي كان بطيئا بطيئا وبطيئا ويمكن تكرار الكلمة حتى نهاية المقال. لمدة ثلاث أيام البلد تغلي بالغضب ولا يوجد تصريح واحد من وزارة الخارجية يوضح الموقف. في سفارة نشطة فإن خبرا كهذا يعني طوارئ سياسية من الدرجة الأولى ويعني الاتصال بروبرت كيجان فورا والحصول منه على توضيح سواء بالنفي أو بالتأكيد. كان ذلك يتضمن ايضا الذهاب إلى الجامعة والتأكد من عدم وجود مثل هذه المحاضرة أو معرفة من الذي نظمها وحتى محاولة الحديث مع شخص معا من ضمن آلاف الطلاب والحضور الذين يفترض حسب خبر عواركة المحترم الذي أصبح مرجعية للشارع السياسي والإعلامي الأردني أنهم كانوا متواجدين في القاعة.
ما يدهشني حقا قيام شخص من وزارة الخارجية الأميركية ومن قسم الاتصال الإلكتروني بإرسال توضيح للموقع الأردني وكذلك لموقع الدستور الإلكتروني ردا على آراء القراء الغاضبة في قضية للنقاش يقول فيها أن تصريحات اي مرشح للرئاسة أو مستشار له لا تمثل الإدارة الحالية. هذا التصريح معناه واحد من إثنان: أما أن حديث كيجان حدث بالفعل والمحاضرة حقيقية أو أن قسم الاتصال الإلكتروني في وزارة الخارجية الأميركي غايب طوشة أكثر من سفارتنا ووزارة خارجيتنا!
وعلى قاعدة رب ضارة نافعة توحد جميع الأردنيون وربما للمرة الأولى منذ مدة طويلة في رفض هذا التصريح. صدرت البيانات الحزبية والنيابية والمقالات الصحافية من كافة الأطياف السياسية موحدة على رفض التصريحات. وهذا أمر يثير الفخر حقيقة ولكن سيكون من الضروري أن نكون واقعيين ونعرف إذا كانت كل هذه الحملة قائمة على معلومة خاطئة.
بالنسبة لي شخصيا فأنا أميل إلى عدم تصديق الخبر لعدة أسباب أولها مصدر الخبر المعادي للأردن تماما والذي لا يمكن أبدا الوثوق به. السبب الثاني عدم وجود أي نص أو خبر أو حتى إعلان باللغة الإنجليزية حول المحاضرة المذكورة ونحن نعرف أنه في زمن الاتصالات والمدونات واليوتيوب ووسائل الإعلام الحديثة من الصعب أن يقول كيجان كلاما خطيرا كهذا في محاضرة عامة بدون وجود ولو تسجيل صوتي أو مرئي او نص إلكتروني مستقل. في واقع الأمر فإن السبب الوحيد الذي قد يدعوني لتصديق الخبر هو فقط تسجيل مرئي وصوتي من قبل شخص كان حاضرا لهذه المحاضرة.
لقد كانت كل محاور هذه التجربة مثيرة للقلق والاستغراب من عدم وجود رغبة في تحري الحقيقة قبل نشر مثل هذا الكلام الخطير فالشائعة تنتشر بسرعة كبيرة والمصدر الأساسي غير موثوق به والحكومة بطيئة جدا في الإستجابة، وذلك يدل على خلل جوهري في عملية نشر وتداول ونقل المعلومة في المجتمع الأردني حتى ضمن ما يسمى النخبة السياسية والإعلامية.
ولكن ماذا عنا نحن؟ ما هي مسؤولية عشرات الكتاب والأحزاب والنواب والصحف والتي شنت حملة ذات نوايا صادقة ومدعاة للفخر ضد هذا الطرح بدون حتى أن تتأكد من صحته ومن مصداقيته وحتى أن تحاول معرفة وجود مصدر آخر يؤكد الخبر Double Check؟
لقد أخطأنا جميعا ولا بد من أن ننظر إلى أنفسنا في المرآة بمنتهى الشفافية ونقف ونفكر قبل أن نصدق كل ما يكتب ونتخذ موقفا مبنيا على معلومات خاطئة أو على الأقل غير موثوق بها. حتى هذه اللحظة لا توجد معلومة واحدة أكيدة حول صحة الخبر من عدمه وفي نهاية الأمر حدثت كل هذه الموجة من الغضب لمصلحة الأردن ولكن هذا لا يعني ابدا التسامح والسكوت في وجه اي عملية تضليل أو تسرع في المواقف حدثت حتى لا نقع في الفخ مرة أخرى في قضية قد تكون ذات تأثير سلبي على وحدة الجبهة الداخلية.